رحلة اثام ل منال سالم
المحتويات
أسنانه محتجا
اللي إنتي طالباه مني مش هيحصل.
لطمت على صدرها صائحة في استنكار
يا نصيبتي!!!
ارتبك من صوتها المرتفع وتلفت حوله ليتأكد من عدم متابعة أحدهم لحوارهما لم تكن مثله تخشى من لفت الأنظار بل قالت في تحد مغيظ له
عاوز تفضح البت قصاد الخلق!!
عقب عليها في عناد
وأغضب ربنا عشان أرضي الناس
زمت شفتيها متمتمة
ربنا غفور رحيم...
اللي يهمنا دلوقتي سمعة بنتنا والكل واقف وشاهد.
أخبرها بمعارضة تفوق إصرارها
محدش فارق معايا من الناس.
هاجمته في تحفز وقد ارتفعت نبرتها إلى حد كبير
يعني مش مكفيك عمايل أخوك جاي تكمل عليها وقصاد أمة لا إله إلا الله
مجددا الټفت ورائه لينظر للحفنة المرابطة خارج مدخل البناية كانوا لا يزالون منشغلين عنه عاود النظر إلى أفكار وقال بصوت خفيض
أصرت عليه بلهجة من يقرر رافضة النقاش أو حتى مراجعتها في الأمر
إلا دي بالذات الكل هيتأكد ولو مش ناوي تعمل ده بنفسك يبقى تقف وتتفرج.
برزت عيناه في صدمة لم تتدعه لذهوله وأكملت إملاء أوامرها عليه في حسم
وما تعلقش تاخد الأمارة وتفرح كل الموجودين.
توسلها في رجاء
يا خالة آ...
ده اللي عندي!
رمقته بهذه النظرة الازدرائية قبل أن تهم بالصعود على الدرج ليضطر في أسف أن يتبعها وهو مشفق تماما على زوجته التي ستختبر نوعا شديدا من المهانة تلك التي لن تمحى تفاصيلها من الذاكرة مطلقا!
تكالبت عليها النساء وأحطن بها من كل جانب لتثبيتها فانتفضت وثارت وحاولت تجريدهن لما يسترها. صړخت واستغاثت وارتفع صوت توسلاتها لكن الكل سد أذنه عنها تركوها تبكي بلا ذرة إشفاق منهن حتى حينما جاء عوض واستنجدت به تجمد موضعه ولم يقدم لها العون كان مثلهن شاهدا على سحق روحها. ضاقت أنفاسها وتساقط
اتني رجلك شوية يا عروسة.
لم تسهل عليها الأمر وضمتهما بقوة لتحول دون وصولها إلى موطن سرها لكن امرأة أخرى من أقارب زوجها عاونتها على فصل ساقيها. هتفت فردوس تلوم والدتها بحړقة تقطع نياط القلوب
رأفة بها كادت عقيلة تتحرك تجاهها وتوقف ما يفعلن إلا أن شقيقتها منعتها وأمسكت بها من رسغها ضاغطة عليه بقدر من القوة فاضطرت أن تقول في أسف وهي تطأطأ رأسها خجلا من خذلانها لها
على عيني يا ضنايا والله!
قامت عمة زوجها بسؤالها في شيء من التحدي
خاېفة من إيه يا عروسة ده احنا جايين نخرس الألسن ونوريهم البشارة.
غتيني يامه.
ارتفعت شهقاتها وامتزجت مع نهنهات بكائها عندما شعرت بيد باردة قاسېة تتوغل بغير رحمة في دواخلها انتفضت وزاد تصبب العرق بها فأصبحت كخرقة مبتلة أتبع ذلك توسلها المتسول لعطف غير موجود في أي من الحاضرين
يا خالتي حوشيهم عني.
تصنعت الضحك كأنما بذلك تخفف من حدة الأمر عليها وقالت وهي ترمقها بهذه النظرة الجادة
مټخافيش يا بت علقة تفوت ولا حد ېموت.
وقتئذ اتجهت فردوس بنظراتها التائهة نحو عوض حدجته بنظرة مليئة بالعتاب القاسې فما كان منه إلا أن أخفض رأسه متحاشيا عتابها الظاهر فهمهمت داخلها بصوت تردد صداه بينها وبين جنبات نفسها
مش مسمحاك إنت غدرت بيا زي أخوك!
صړخت مرات مستغيثة بأي أحد فما أغاثها مخلوق الكل ساهم في إثبات براءتها من تهمة أدانها بها شرذمة من الناس ممن يخوضون في الأعراض بافتراء وتدليس فقط للقضاء على ملل وقت فراغهم الطويل.
في هذه اللحظات القاټلة ودت بلوعة لو كانت شقيقتها حاضرة لكانت نعم السند لها ولم تتردد لثانية في منع تلك الأيادي النجسة من المساس بها آه لو بقت ولم ترحل! آه وألف آه!
ارتفعت بالخارج أصوات الزغاريد وملأت الأرجاء حتى أنها فاقت في حدتها مثيلاتها في حفل الزفاف المتواضع. طوحت أفكار
قولوا للحبايب يهيصوا وللعوازل يفلفلوا .. بنتنا مافيش في أدبها .
ردت إحدى السيدات الحاضرات في الصالة قائلة
عقبال ما نبارك نهار حبلها.
نظرت إليها ضاحكة وهي تقول
عن قريب إن شاءالله.
ثم وجهت كلامها إلى عوض الجالس في حزن على مقعد شبه منزو
عريسنا يشد حيلته بس.
تعالت الضحكات العابثات والمخبئات خلف الأيادي الموضوعة على الفم لتردد عقيلة بوجه لا يزال عابسا
سيبوه يتهنى مع عروسته.
هتفت أفكار في اعتزاز وهي تحاول صرف الضيوف من المنزل بتهذيب
نجاملكم في الفرح دايما يا حبايب.
عندئذ نهض عوض من مكانه عائدا إلى زوجته التي كانت جالسة فوق الفراش تولي ظهرها للباب وتضم ركبتيها إلى صدرها بذراعين مرتجفين. صوت بكائها كان مسموعا له حز في قلبه رؤيتها هكذا مبديا ندمه وأيضا تعاطفه
حقك عليا.
لم تنظر تجاهه كانت تبكي في حړقة أشد فواصل إخبارها بصدق
والله حاولت أمنعهم بس معرفتش.
تجرأ ليضع يده على كتفها فانتفضت مع وكأن مسا كهربيا لامسها في التو زحفت بمرفقيها بعيدا عنه وصړخت به رغم ألمها
ماتقربش مني.
رفع كفيه في الهواء ليظهر لها حسن نواياه ومع هذا لم تبد متهاونة معه حملته كامل اللوم عن كل ما جرى لها فهدرت به بانفعال من بين
بكائها المتحسر
منك لله إنت وأخوك قهرتوني وكسرتوا كل حاجة فيا ربنا ينتقم منكم.
رمقها بنظرة مهمومة فاستمرت على صياحها اللائم
عملت إيه فيكم عشان تهدوني بالشكل ده
هزت رأسها في استنكار واعترفت له في نزق غير نادمة عليه لتجعله يزداد إشفاقا بها
يا ريتني ما وافقت أتجوزك يا ريتني!
بعد أن ذاع الخبر وعرف الجميع عن إصابته المفاجأة تحول خارج غرفته بالمشفى الخاص إلى ما يشبه أحواض الزهور فقد امتلأت الردهة بباقات مختلفة الأحجام والأنواع من الورود كنوع من إرسال التهنئة والمباركة على تماثل رجل الأعمال الشهير للشفاء من أزمته المړضية الأخيرة. لجأ مهاب للاستعانة بأفراد من الحراسة المدربين لمنع دخول أي فرد لحجرته دون إذن مسبق منعا لتطفل رجال الصحافة المزعجين وكذلك لعدم إرهاقه بالزيارات الكثيرة. استاء سامي مما اعتبره تصرفا فظا ولا يليق بمكانة العائلة فعنفه في غرفة مدير المشفى الماكث بها
إنت مفكر نفسك مين عشان تتصرف كده
لم يرفع رأسه عن التقارير التي يراجعها وخاطبه في برود
اللي فيه الصح للباشا أنا هعمله.
اغتاظ سامي من عجرفته المستفزة فطرق بقبضته المضمومة على السطح الزجاجي بعصبية جمة ليدفعه على النظر إليه حينها فقط هدر في صوت غاضب
إنت عارف مين أصلا جاي يشوفه دول وزراء وكبار رجالة البلد.
تطلع إليه بنظرته المتعالية وأردف في تساؤل غير مكترث
وإيه يعني
استمر سامي في الھجوم عليه فقال باحتقار ظاهر على وجهه وكذلك في نظرته إليه
شكل جوازك من البت الكحيانة دي غيرك وخلا مخك يفوت فما بقتش عارف قيمة الناس اللي بنتعامل معاهم!
نهض مهاب قائما بعدما ترك ما فيه يده وحذره بنظرة صارمة
ما بلاش تغلط!
ثم دار حول المكتب وتقدم تجاهه حتى وقف قبالته حينئذ تابع إنذاره له وهو يضع كفه على كتفه
زعلي وحش يا سامي.
نفض الأخير قبضته عنه في نفور وزمجر فيه پحقد
نزل إيدك.
حدجه مهاب بنظرة مستخفة ليردد بعدها بما أغاظه في الحال كعهده معه وبهدوء واضح
ممم .. قول إنك غيران مني عشان بعرف أعمل اللي أنا عاوزه وإنت لأ.
صاح به في عصبية مستعرة
أنا مش فؤاد باشا اللي سهل تضحك عليه بكلمتين فيصدقهم.
سدد له نظرة هازئة قبل أن يسأله في سخرية
طب ما إنت معاه طول الوقت ليه معرفتش تكسبه في صفك
اندلع غضبه أكثر بداخله وصاح فيه مغتاظا
بلاش هلفطة أنا أكتر واحد عارف وساختك وألاعيبك ولحد النهاردة أنا مش عاوز أدمرك وعمال أداري عليك.
سخر من محاولته غير الموفقة للمزج بين مواضيع شتى لإظهاره بمظهر الشخص الأهوج الأرعن وغير المسئول ورغم ذلك قابل انفعاله المحتد بنفس البرود الهادئ حين رد
وإيه اللي منعك!
ناطحه الرأس بالرأس قائلا بوجه محموم بغضبه
ما تتحدانيش!
ضحك مستخفا به ليعلق بعدها
صدقني إنت اللي هتخسر مش أنا.
واصل سامي هجومه غير المبرر عليه زاعقا في تعصب
إنت ولا حاجة من غير لقب الجندي!
لم تتغير نبرته مطلقا وهو يخبره عندما سار عائدا إلى المكتب مجددا
صح بس صدقني اسم مهاب الجندي برضوه معروف حتى لو إنت عامل نفسك مش واخد بالك.
جمع مهاب التقارير المفرودة على سطح المكتب واستعد للمغادرة فسأله سامي بنبرته المتشنجة
إنت رايح فين أنا مخلصتش كلامي لسه!
لاحت على زاوية فمه ابتسامة متهكمة ليسترسل بعدها بتعال صريح
بس أنا خلصت...
كاد على وشك النكاية به لكنه أخرسه بإشارة من سبابته
مش عاوز أسمع حاجة تاني بس يا ريت لما ترجع تتخانق معايا توطي صوتك ما تنساش احنا في مستشفى وفؤاد باشا مش هيكون مبسوط لما يسمع عن خناقنا هنا!
كظم سامي حنقه مرغما وشيعه بنظرة ڼارية ثائرة في حدقتيه
إلى أن انصرف آنئذ كور قبضته في الهواء وتوعده بين نفسه في كراهية لا تكف عن التعمق أكثر فيه
بكرة هتندم وأنا عارف الطريقة إزاي!!
يتبع الفصل السادس عشر
الفصل السادس عشر
مکيدة ساذجة
غادر الجميع تباعا تعلو وجوههم الفرحة والاعتزاز لكنهم تركوها غارقة وسط إحساسها بالمهانة والانكسار لم تجد اليد الحنون التي تطبب من چراحها أو حتى تهون عليها صعوبة ما اختبرته ولم تشعر بالأمان في حضور من أصبح زوجها كان كأنه لم يكن من الأساس تخلى عنها وانساق وراء ما رغب فيه الآخرين. سالت دموعها أنهارا فبللت كامل وجهها وأفسدت زينتها فأصبحت قبيحة المنظر ومع ذلك لم تكترث للحظة فما أصابها مزقها من الداخل قبل الخارج.
وقف عوض على باب غرفة النوم حائرا مترددا لم يعرف ما الذي يجب عليه فعله لاسترضائها وتعويضها عما مرت به تطلع إليها من موضعه مليا وبإشفاق حزين كانت منكمشة على نفسها توليه ظهرها ترتجف إلى حد ما صوت بكائها المسموع إليه حز في قلبه بشدة نكس رأسه بعدما هزها يمينا ويسارا أسفا عليها. استجمع الكلمات في رأسه وتكلم سائلا إياها بحذر
إنتي كويسة دلوقتي
استشعر سخافة سؤاله فكيف لها أن تصبح في أحسن حال وهي منخرطة في نوبة بكاء عڼيفة تدارك خطئه ولم يتوقع أن ترد عليه يكفيها ما هي فيه الآن ازدرد ريقه وتابع
حقك عليا أنا لو كان بإيدي مكونتش خليت حد يجي ناحيتك بس حكم القوي!
ارتفع صوت نحيبها فأحس بالندم أكثر فقال مغيرا الحديث
أنا هسيبك على راحتك نامي على السرير وأنا هفضل برا.
لم تنظر فردوس تجاهه بل أحنت رأسها لتخبئها بين ركبتيها المضمومتين إلى صدرها وواصلت بكائها المرير. شعوره بالذنب تضاعف فلم يكن أمامه سوى الفرار من هذا الإحساس القاټل
متابعة القراءة